1.
من تاريخ قرطبة
قرطبة اسم له وقع خاصّ في الأذن الإسلامية (...). إنّها مدينة ذات تاريخ عريق (...) وتاريخها شاهد على ما بلغه عزّ الإسلام في الأندلس. (...)
بدأت قرطبة تبرز إلى الوجود كمدينة عالمية عندما أسّس صقر قريش عبد الرحمن الداخل الدولة الأموية في الأندلس بعد سقوطها في الشرق على أيدي العبّاسيين. لكنّها بلغت أوج ازدهارها في ظلّ عبد الرحمن الناصر أوّل خليفة أموي في الأندلس بعد أن اتّخذ منها عاصمة لدولته وجعلها كبرى المدن الأوروبية في عهده وأكثرها أخذًا بأسباب الثقافة (…) وفي هذا العهد نافست قرطبة بأُبَّهَتِها وعمرانها وحالتها الثقافية كبريات المدن الإسلامية كالقاهرة ودمشق وبغداد والقيروان حتّى أطلق عليها الأوروبّيون ((جوهرة العالم)).
ولقد اهتمّ الأمويون بتعمير الأندلس عموما؛ وقرطبة عاصمة ملكهم بوجه خاصّ (...) وشمل هذا الاهتمام نواحي الحياة المختلفة كالزراعة حيث شقّوا الترع وحفروا القنوات وجلبوا للأندلس أشجارا وثمارا لم تكن تزرع فيها (...) واشتهرت قرطبة بصناعة الحرير والسلاح.
ولم يهمل الخلفاء الجانب الثقافي الّذي أعطى قرطبة مكانتها الحقيقية كعاصمة عالمية، فظهرت فيها المكتبات العامرة بنوادر الكتب والمخطوطات (...) وقد انتشرت المدارس في قرطبة حتّى لم يعد فيها شخص واحد لا يجيد القراءة والكتابة. (...) واشتهرت قرطبة بالعلماء والشعراء، مثل الخليفة الحكم، والشاعر أبي عبد الملك مروان حفيد عبد الرحمن الثالث والخليفة المستعين بالله، والوزير أبي الغيرة بن حزم والوزير عبد الملك بن جهور، والوزير المصحفي، بالإضافة إلى عشرات بل مئات العلماء في كافّة المجالات كابن طفيل وابن رشد وابن باجه في الفلسفة، وأبي عبد الله القرطبي في العلوم الشرعية، والقاضي أبي الوليد الباجي وأبي الحسن عليّ بن القطان القرطبي في الحديث النبوي، ومنذر بن سعيد قاضي الجماعة بقرطبة، وزَرْيَاب الموسيقي، وابن عبد ربّه اللغوي الأديب، وغيرهم وغيرهم. (...)
كما اشتهرت المرأة القرطبية في المجال الثقافي، فنذكر ولّادة بنت الخليفة المستكفي الشاعرة الأديبة صاحبة الصالون الأدبي الشهير، ومريم ابنة يعقوب الشاعرة الأديبة، وعائشة بنت أحمد الّتي كانت مربّية ومعلّمة لولد المنصور ابن أبي عامر أشهر وأقوى وزراء الدولة الأموية في الأندلس. (...)
كانت قرطبة صاحبة اليد العليا والسبق الثقافي دائما، لذلك فإنّ سقوط قرطبة كان بداية النهاية من الملحمة الإسلامية الكبرى في الأندلس.
بتصرّف:((قرطبة.. جوهرة العالم)) لمنير عتيبة - ١٥/٦/٢٠٠ في: http://www.islamonline.net
|
يرجى الاستماع إلى النص وتحديد الفقرات التي لا تنسجم مع المسموع